.
هذه السكينة روح من الله، ونور، يسكن إليه الخائف،
ويطمئن عنده القلق، ويقوي به الضعيف ويهدي به الحيران.
إن السكينة كما قال البعض،
وصدق فيما قال نافذة على الجنة يفتحها الله للمؤمنين من عباده،
منها تهب عليهم نسماتها، وتشرق عليهم أنوارها،
ويفوح شذاها وعطرها، ليذيقهم بعض ما قدموا من خير،
ويريهم نموذجا صغيرا لما ينتظرهم من نعيم،
فينعموا من هذه النسمات بالروح والريحان،
والسلام والإيمان. إن المؤمن هو أولى الناس بسكينة النفس،
وطمأنينة القلب أتدرون لم؟ لأنه وجد نفسه وهدي إلى الفطرة،
ففي فطرة الإنسان فراغا لا يملؤه علم ولا ثقافة ولا فلسفة،
وإنما يملؤه الإيمان بالله عز وجلّ.
ستظل الفطرة الإنسانية تحس بالتوتر والجوع والظمأ، حتى تجد الله، وتؤمن به، وتتوجه إليه.
هنا وهناك فقط تستريح من كل تعب،
وترتوي من كل ظمأ، وتأمن من كل خوف.
هناك فقط ستحس بالهداية بعد الحيرة، والاستقرار بعد التخبط،
والاطمئنان بعد القلق. إن الإنسان الذي لا يهدي إلي الفطرة،
ولا يجد ربه مهما فعل!
قال مؤلف مدارج السالكين رحمه الله:
" في القلب شعث لا يلمه إلا الإقبال علي الله.
وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس بالله.
وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته، وصدق معاملته.
وفيه قلق لا يسكنه إلا الاجتماع عليه، والفرار إليه.
وفيه نيران حسرات لا يطفئها إلا الرضا بأمره ونهيه وقضائه، ومعانقة الصبر علي ذلك إلي وقت لقائه.
وفيه فاقة لا يسدها إلا محبته والإنابة إليه، ودوام ذكره، وصدق الإخلاص له، ولو أعطي الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة أبدا".
وهذا ليس كلام عالم فحسب،
بل كلام ذائق مجرب، يقول ما خبره وأحس به في نفسه،
وما رآه ولاحظه في الناس من حوله.
إنها الفطرة البشرية الأصيلة التي لا تجد سكينتها إلا في الاهتداء إلي الله والإيمان به،
والالتجاء إليه!!
أأدركنا الآن لم المؤمن هو أولي الناس بسكينة النفس؟ أأدركنا الآن قيمة الإيمان وحلاوته.
.